آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 11:35 ص

أمجاد الماضي

محمد أحمد التاروتي *

النظرة إلى التاريخ الماضي تختلف باختلاف العبر المستخلصة من جانب، والآليات المستخدمة لتوظيف التاريخ لمواصلة مشوار العطاء من جانب آخر، فكل نظرة تنطلق من مرتكزات بعضها يلتقي في زاوية محددة، والبعض الآخر يتنافر مع الزوايا الأخرى، الأمر الذي يفسر حالة الاختلاف الحاصل، نتيجة تباعد زوايا الالتقاء، وعدم القدرة على الوقوف على نقاط مشتركة، حيث يتجلى الاختلاف في طريقة المعالجات المتخذة، وكذلك طريقة التفكير السائد في التعاطي مع التاريخ.

الاختلاف في الرؤية للتاريخ عملية طبيعية، جراء تعدد الاهتمامات، وتوزع الآليات المستخدمة، في التوظيف المناسب للتاريخ، بحيث تبرز على أشكال مشاريع، بعضها ذات طبيعة توافقية وتصالحية، والبعض الآخر ذات طبيعة تشابكية وتصادمية، خصوصا وان الرؤية للأمور تحدد الطريق المتخذ للوصول إلى تلك النقاط المستهدفة، وبالتالي فإن محاولة تقريب وجهات النظر تبدو غير واقعية في بعض الأحيان، نتيجة الاعتقادات الجازمة بصوابية الرؤية تجاه التاريخ، بمعنى آخر، فإن التباين الحاصل للتاريخ يدفع نحو انتهاج سياسات بعضها تصادمية، والأخرى تصالحية، تبعا لطبيعة التفكير السائد من جانب، والقدرة على تسخير الظروف من جانب آخر، الأمر الذي يستدعي انتهاج سياسية ”براغماتية“ تجاه الطرف المقابل، من أجل تحقيق بعض النجاحات، على الصعيد الفردي والاجتماعي في الوقت نفسه.

التحرك وفق النظرة الأحادية والإقصائية يعزز ”الأنانية“، ويحول دون القراءة الدقيقة للأمور، خصوصا وان التاريخ يخرج من الإطار الشخصي، ليتحول إلى الاجتماعي والمشاع، مما يجعله متاحا للجميع للاستفادة منه بالطرق المختلفة، وبالتالي فإن محاولات توظيف التاريخ بطريقة إقصائية، يقود إلى التصادم، وانعدام القدرة على استخلاص العبر بالطريقة المناسبة، لا سيما وان الثقافة الإقصائية تحدث انعكاسات سلبية، وتكرس الحالة التصادمية على الصعيد الفكري، نظرا لوجود أطراف غير قادرة على رؤية الأطراف المقابلة، وبالتالي فإن التحرك الآحادي لا يخدم حركة التاريخ، بقدر ما يسهم في تعطيل التفكير الإيجابي، ويقود إلى النظرة السلبية في القراءة الواقعية والدقيقة، لمسلسل الأحداث التاريخية.

محاولة تكريس الجانب المضيء في الأحداث التاريخية، يكشف طبيعة التفكير، ويعطي انطباعات بخصوص التحركات المرسومة، خصوصا وان الجوانب المضيئة في بعض الأحداث التاريخ، لا يبرر التركيز عليها، دون النظر إلى بعض المجريات الأخرى، فالتاريخ يحمل في طياته ”الغث“ و”السمين“، لاسيما وان الأحداث التاريخية أبطالها بشر يتحركون وفقا للمصالح، والأطماع الشخصية، مما يستدعي وضع جميع الاحتمالات، أثناء الدراسة الدقيقة لمسلسل الأحداث، لتفادي الدخول في النظرة ”النرجسية“، وإغفال النظرة الواقعية للأمور، وبالتالي فإن وضع الجوانب المضيئة في المقدمة خطو أساسية، لإبراز الحالة الإيجابية بهدف حفظ التاريخ، لدى الأجيال القادمة، بيد أن اللون الأبيض ليس سائدا على الدوام، فهناك اللون الأسود الذي يضاف إلى الأحداث التاريخية، مما يستدعي إخراج الأحداث المأسوية بطريقة عقلانية، بعيدا عن التطرف في المعالجات، بهدف خلق النظرة المتوازنة للأمور، والعمل على صناعة ثقافة اجتماعية، قادرة على استيعاب التاريخ، بما يحمله من صفحات بيضاء وسوداء، على حد سواء.

استخراج أمجاد الماضي عنصر أساسي، لتكريس قواعد ثقافية إيجابية في العقل الجمعي، خصوصا وان الماضي يشكل جزءا أصيلا من التركيبة الاجتماعية، وبالتالي فإن محاولة تحريك العقول بالاتجاه الإيجابي، يسهم في خلق أجيال قادرة على توظيف تلك الأمجاد، بأسلوب تصالحي بعيدا عن الثقافة التصادمية، التي تحاول بعض الثقافات إبرازها تكريس في الواقع الاجتماعي، لاسيما وان الأمجاد على اختلافها تشكل نقطة التقاء، لإظهار الجوانب الإبداعية، بعيدا عن حالة التضخيم غير المبرر، الذي يحاول البعض فرضها على العقل الجمعي، بشكل مباشر أو غير مباشر.

كاتب صحفي