آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 4:19 م

اراجيز الطف 21

محمد أحمد التاروتي *

تتدفق ارجوزة ابو ثمامة عمرو بن عبد الله بن كعب الصائدي بالكثير من العاطفة الجياشة، حيث تتضمن العديد من المفردات الدالة على عمق الولاء، والحزن الشديد على تضييق الجيش الاموي، لسيد الشهداء واهل بيته، بالإضافة إلى وصف حالة معسكر اهل البيت ، جراء الزحف الكبير من جيش عمر بن سعد، بحيث ضاقت على معكسر ريحانة المصطفى ﷺ الأرض بما رحبت.

أبو ثمامة الصائدي من الشخصيات العربية المتصفة بالشجاعة، اذ يعد من فرسان العرب، فضلا عن كونه من أصحاب الامام علي ، وكذلك الامام الحسن ، وأيضا سيد الشهداء ، حيث كان من معتمدي مسلم بن عقيل بالكوفة، فقد التحق بمعسكر ريحانة المصطفى ﷺ في ارض كربلاء، بعد خيانة اهل الكوفة لمسلم بن عقيل.

يستهل الشهيد أبو ثمامة ابياته الأربعة، بمفردة ”العزاء“ لال المصطفى وبناته، حيث تحمل هذه المفردة الكثير من الحسرة والألم، نتيجة التعسف الكبير الذي يطال اهل البيت ، على يد الجيش الاموي، فمفردة ”عزاء“ تتضمن المصير المرتقب، الذي ينتظر جيش سيد الشهداء الصغير، خصوصا وان الطرف المقابل على أهبة الاستعداد لارتكاب افظع جريمة، عرفتها الإنسانية على مر التاريخ، لاسيما وان الجريمة تتضمن إراقة دماء ال بيت المصطفي وسبط النبي ﷺ، حيث يقول في مطلع الارجوزة ”عزاء لآل المصطفى وبناته“.

فيما ينقل الألم الذي يعتصر قلبه وهو يشاهد ”سبط محمد“، وهو محاصر من الجيش الاموي، ومحاولة الفتك بهذه السلالة الطاهرة، لأغراض دنيوية ومساعي مادية، فالوقوف في وجه ريحانة المصطفي جريمة كبرى، وبالتالي فان محاصرة سيد الشهداء ومحاولة الانقضاض على اهل بيته ، جريمة تدمي قلب كل مسلم، حيث يقول ”على حبس خير الناس سبط محمد“.

في الشطر الأول من البيت الثاني، يقدم الشهيد أبو ثمامة خالص العزاء والمواساة، لسيد نساء العالمين فاطمة الزهراء وزوجها، لاسيما وان جميع خطب الوعي ومحاولة ردع تلك الجيوش الجرارة، للعدول عن إراقة دماء سيد شباب اهل الجنة ، لم تجد اذانا صياغة على الاطلاق، باستثناء ”انزل على حكم ابن عمك“ و”نقاتلك بغضا لابيك“، وغيرها من الكلمات، التي تفضح الأسباب الحقيقية وراء نزول تلك الجيوش الجرارة، في ارض الطفوف بيوم عاشوراء ”حيث يقول“ عزاء لزهراء النبي وزوجها ".

بينما يظهر الشهيد أبو ثمامة، في الشطر الأخير من البيت الثاني، عمق الولاء لسيد الاوصياء ، من خلال الوصف الدقيق لهذه الشخصية العملاقة، التي سجلت مواقفها النبيلة منذ فجر الإسلام، وحتى استشهاده في محرابه، حيث يستخدم مفردة ”خزانة علم“، والتي تعكس جانبا من جوانب شخصية الامام علي ، باعتباره شخصية استثنائية لم تنجب البشرية مثيلا لها، باستثناء سيد الرسل ﷺ، حيث يقول ”خزانة علم الله من بعد أحمد“.

يعود في الشطر الأول من البيت الثالث، ليقدم العزاء لشرق الدنيا وغربها، باستشهاد سيد الشهداء ، فالمصيبة تتجاوز اطارها الجغرافي لتشمل اهل الشرق والغرب، خصوصا وان الجريمة لا يمكن حصرها ضمن الحروب التقليدية، التي سجلها التاريخ البشري، وانما تمثل هذه المعركة فصيلا بين الحق والباطل، الامر الذي يتمثل في حضورها في الوجدان الإنساني بشكل مستمر، حيث يقول ”عزاء لأهل الشرق والغرب كلهم“.

وينتقل في الشطر الثاني من البيت الثالث، إلى استخدام مفردة ”الحزن“، باعتبارها الكلمة القادرة على استنطاق، ما يختلط في داخله من الم كبير، خصوصا وانه يشاهد الامام الحسين وهو يحاصر من قبل طوفان بشري، يتعطش لدمائه ودماء اهل بيت ، فالحزن الذي يعتصره قلبه مرتبط بعزم الجيش الاموي، على مواصلة الجريمة الكبرى بحق سبط المصطفى ﷺ، حيث يقول ”وحزنا على حبس الحسين المسدد“.

يحمل الشطر الأول من البيت الرابع، جانبا من الحسرة الكبيرة لعدم وجود الناصر، والانسان المستعد لنقل رسالة ما يحدث، في ارض كربلاء من فظائع كبرى، خصوصا وان الجيش الاموي فرض طوقا بشريا على معسكر الحسين ، مما يمنع وصول الناصر أو المعين، فضلا عن الانسان القادر على نقل احداث الجريمة الفظيعة، التي تجري تفاصيلها على ساحة كربلاء، فالشطر يحمل امنية لوصول رسالة كبرى الفظيعة، إلى النبي وفاطمة الزهراء على وجه الخصوص، حيث يقول ”فمن مبلغ عن النبي وبنته“.

يخلص في الشطر الأخير من ارجوزته، إلى ان سيد الشهداء يواجه جيوشا جرارة، تتحفز لقتاله واهل بيته ، فالامام الحسين محاصرة بشكل كامل من الجيش الاموي، حيث يستخدم مفردة ”مجهد“ للدلالة على حجم الجريمة، التي يرتكبها جيش عمر بن سعد في يوم عاشوراء، حيث يقول ”بأن ابنكم في مجهد أي مجهد“.

ويقل المؤرخون ان الشهيد أبو ثمامة الصائدي ارتجز في واقعة الطف:

عزاء لآل المصطفى وبناته - - - - على حبس خير الناس سبط محمد

عزاء لزهراء النبي وزوجها - - - - خزانة علم الله من بعد أحمد

عزاء لأهل الشرق والغرب كلهم - - - - وحزنا على حبس الحسين المسدد

فمن مبلغ عن النبي وبنته - - - - بأن ابنكم في مجهد أي مجهد

كاتب صحفي