آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 4:17 م

القيم الحضارية لدى الأفراد

المهندس أمير الصالح *

هذه سلسلة مقالات تطرح سبل تعزيز ثقافة القيم الحضارية في داخل النفس أولًا، وتعيين الشخص على تمحيص كل المقاربات السلوكية التي ترتفع بشأنهم أمام أنفسهم وأمام ربهم والآخرين.

في المجمل، المجتمع الحي يتدارس سبل النمو وطرق النجاح، ويعزز ثقافة الإنتاج بين أفراده، وينمي من ثقافة القيم الحضارية. بينما العكس صحيح في المجتمع الميت والمتفتت، فإنه يُجذر الانطواء والكبت والعيش في دهاليز الماضي، وينشر ثقافة الخوف الشديد من المستقبل، ويمجد الجمود في الحاضر. فيكون ذلك المجتمع أشبه بمجموعة جزر، كل جزيرة مشدودة لمجموعة تيارات متضادة ومصالح متضاربة، ينمو فيها الشخص الطفيلي والإنسان الانتهازي، ويموت فيها الإنسان الطموح الصادق والمبادر الشجاع.

هناك عدة بناءات وحزمات تعين في إنتاج مجتمع حضاري، منها مجموعة نظم فكرية وعقائدية، ومنظومات فقهية وأخلاقية، وترجمات سلوكية ملموسة على الأرض. ولعل من أهمها تعزيز اللبنة الأساسية في المجتمع وهي الفرد. والفرد قد تتحشد مجموعة نظم نبيلة في ذهنه، إلا أن سلوكياته متناقضة بشكل صارخ. وهنا نطرح سلسلة مقالات قد تعين البعض في وضع الأمور ولو بصورة جزئية إلى نصابها.

سأتطرق هنا إلى بند سلوك ظاهرة من المهم ممارستها لإعادة ترميم صورة الأفضل داخل الفرد.

اللبنة الأولى: تعزيز ثقافة احترام الذات

وهذه الخصلة تحتاج لمجموعة من السلوك الإيجابي البناء النابعة من الذات.

1 - التوقف عن التسول العاطفي وغير العاطفي بكل أنواعه من الآخرين، والاهتمام بزراعة الكرامة الذاتية في كل الأمور.

2 - التوقف عن عقد مقارنات محبطة مع الآخرين.

3 - التوقف عن الاهتمام بأشخاص لا يعيرون لك اهتمامًا إنسانيًا نبيلًا صادقًا.

4 - التوقف عن إعطاء معلومات أكثر من اللازم عند التحدث.

5 - التوقف عن الكلام فيما ليس للإنسان به علمًا أو لم يُسأل.

6 - عندما يظهر أحدهم عدم الاحترام لك كشخص، فواجهه في الحال لإيقافه عند حده. وإن تطلب ذلك الاستعانة بآخرين لكي لا تنكسر شوكتك للأبد أو تصبح الجدار المنخفض.

7 - لا تذهب لمكان لم يتم دعوتك إليه، ولا تأكل بنهم حيثما تكون، ولا تتحدث في مجلس بشكل يوحي بأنك تفرض سيطرتك، ولا تجلس في صدر المجلس وهناك من هو أكثر كفاءة علمية منك، ولا تهمش من أكرمك، ولا تستحقر عطاء من مد يد العون لك.

8 - بادر بالأعمال الحسنة في وسطك الاجتماعي دون كلل أو ملل أو منة، ولكن جس نبض القبول بعد حين لمن بادرتهم فقد يكونون اتكاليين أو كسالى أو حقودين أو انتهازيين أو طفيليين. وحينذاك انقل مبادراتك لمكان آخر.

9 - التوقف عن حضور مجالس البطالين والنمامين وأهل التهتك والتشره المفرط والإحباط.

10 - فكر بما تقول قبل أن تتكلم، فإن 80% من الناس يقيمون شخصيتك بناءً على ما يصدر عن لسانك من أقوال وأحاديث وتعليقات.

11 - تأنق في اللباس وتعطر بالقدر المستطاع، فإن الأغلب من الناس قد لا تتاح الفرصة أن تتحدث معهم، ولكن تعطي الناس انطباعاتها عنك بناءً، أو من خلال هندامك وترتيب شعرك وملابسك وريحتك.

12 - كن منجزًا في حياتك، فالإنجازات تتكلم بصوت مسموع، والأقوال ادعاءات غير مثبتة إلا بالإنجازات.

13 - احترام وقت الآخرين ووقتك، فإن الوقت مال ”Time is money“ والمال لا يُهدر، وإهداره لون من ألوان السفاهة.

14 - تجنب أي شخص افتراضي أو واقعي، وتجنب التواجد في أي مكان افتراضي أو واقعي يحط من قدرك أو يجلب الشبهة لك.

15 - أجد صرف النقود على نفسك، فالناس يلاحظون إسرافك وسفاهتك كما يلاحظون حرصك وشحك على نفسك!

16 - كن أكثر بذلًا من أن تكون آخذًا، «اليد العليا خير من اليد السفلى».

17 - كن معدنًا نفيسًا ولا تكن معدنًا رخيصًا مبتذلًا، «عز نفسك».

18 - تعامل مع كل شخص بما هو أهلًا له. فإن وضعت أحدهم على كتفك تملقًا، فلا تشتكي من امتهانه لك بعد حين. وإن استخفيت بمن هم أهل الاحترام، فلا تلوم إلا نفسك لما أوقعتها فيه. وتجنب أهل الشر وأهل الظلم والتكبر والغرور والفسق ما استطعت لذلك سبيلًا. فإن الثعبان لا يؤتمن لدغه ولو بعد حين. ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود: آية 113].

19 - تعاطف مع من هو أهلًا لذلك، ولا تكن إمعة. وكن صاحب مبادئ، ولا تكن صاحب مزاج متقلب، فالناس تحترم صاحب المبادئ قولًا وفعلًا وتشمئز من المزدوج المعايير.

20 - لا ترضى بالظلم وإن وقع على غيرك. ولا ترضى بالمذلة وإن صدرت من أقرب الناس لك.

21 - الشعور بالمسؤولية نحو الجميع ينم عن روح كبيرة.

22 - عدم انتهاز غفلة الآخرين أو إلغاء أو انتهاك حقوق الآخرين، فالدنيا دوارة.

23 - كن أفضل في صنعتك / مهنتك.

نتطلع وإياكم بنشر وتعزيز السلوك الرشيد داخل أنفس كل فرد من أفراد المجتمع لنكون وإياكم لبنة بناء قيم حضارية تشرئب الرقاب لمحاكاتها، وإلا فإن عدد المجتمعات الميتة أو التي تولد ميتة، أو التي تمكن الآخرين منها فلا حصر لها، وحينذاك لا ينفع البكاء على الأطلال.

من المهم أن يكون السلوك الجيد متجذرًا في نفوس أفراد المجتمع ليظفر الجميع بوحدة اجتماعية متجانسة يتكاثر فيها أعداد المبادرين الشجعان وتضمحل فيها شخوص الطفيليين أو الانتهازيين أو المتملقين.

ختامًا، لا ننسى أن القيم الحضارية تُنْشَأُ وتُعَلَّمُ وتُرَبَّى، ولن تُنْشَأَ من العدم، ولن تُتَوَقَّعَ من الفرد أن يلتزم بها دون وعيٍ بأهميتها وفوائدها.

فلنجعل هذه القيم سلوكًا يوميًا في حياتنا، ولنكن لبنة بناء مجتمع حضاري نُعَزِّزُ فيه قيم الخير والجمال والإبداع.