آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 4:55 م

الإسراف في شهر العبادة

عبد الرزاق الكوي

مع اقتراب شهر رمضان المبارك بأيام قليلة، بدأت أسواق المواد الغذائية بالازدحام كما هو الحال في كل عام. ومع تكرر الكتابة عن هذا الموضوع من قبل المهتمين، يُظهر المشهد وكأن المجتمع مقبل على نوع من الأزمات وانقطاع المواد الغذائية، وكأن العالم مقبل على وضع يتسابق فيه الجميع لتكديس كل تلك الحاجات.

كل ذلك الاستعداد يأتي في شهر الصوم الذي يقل فيه الأكل ويتجه الجميع للعبادة والتقرب من الله تعالى. المشكلة أن حالة الشراء والاستهلاك هذه ينتج عنها هدر مالي وهدر نعم من أنعم الله سبحانه وتعالى، محلها النفايات: بأطنان من الأكل الصالح للاستهلاك وبحالة جيدة. والجميع يشتكي من الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار بشكل عام والغذائية بشكل خاص.

فعل يناقض كل المبادئ في أيّام السنة، وأكثر ما يخالف روحانيات الشهر الكريم، ويعطي مؤشرًا أن الحالة الروحية ما هي إلا مظاهر تناقضها الأفعال. فالهدر الغذائي بكل تأكيد لا يرضي الله تعالى ويخدش قدسية الشهر المبارك ويفرغه من عمقه الروحي ويحوله إلى مهرجان للتسابق في طهي أنواع مختلفة من الأطعمة للتباهي واستخدامها في وسائل التواصل الاجتماعي كنوع من التفاخر والاستعراض.

بعكس ما هو المؤمل أن يكون شهر الترشيد وتقليل النفقات والشعور بجوع الآخرين ومساعدتهم، ما يحصل في الواقع يصل بعضه للحرام شرعًا. مع أمنيات أن يكون هذا التسابق في دور العبادة ومجالس الذكر والحضور في أماكن تلاوة القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: آية 31].

كثير ما يستهلك ويطبخ في هذا الشهر المبارك، والذي من أهدافه ”صوموا تصحوا“، بعيدًا جدًا من الناحية الصحية وليس ذا فائدة غذائية. حيث تكثر استخدام الزيوت المصنعة، بعضها خطير على الصحة، والحلويات ذات مردود صحي ضار لعدم جودتها على مجمل صحة الجميع.

وقوله عز وجل: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: آية 27].

هذا الإقبال الشديد لم يعد حاجة ضرورية. يذهب الشخص للتسوق ويرجع محملًا بما يحتاج وما لا يحتاج، بعضه لا يستخدم. فكر واهتمام ”بالكم وليس بالكيف“ غائب، وهذا إذا كان مخالفًا لقيم الدين وقدسية الشهر هو ناتج عن عدم وعي وتخلف وعدم إدراك للعمل من الناحية الدينية والاجتماعية والأخلاقية.

المؤمل إذا لم يكن الشراء والاستهلاك أقل من أيّام السنة أن يكون مماثلًا له. أن يحرص كل الحرص على شراء وطبخ ما يؤكل، وليس طبخ لعائلة صغيرة ما يكفي لعدة عوائل.

وإذا لم يتسن أكل هذا الطعام والاستفادة منه في اليوم التالي أو المحافظة عليه وتقديمه لمن يستحقه وبحاجه له، بدلًا من التخلص منه، يناقض الحمد والشكر على النعمة وعدم مخافة العقاب أن يموت الكثيرون جوعًا. في شهر العبادة يهدر الغذاء.

فالأمنيات بتقليل الكميات المطبوخة وتقليل الأصناف. هذه عادات لا ترضي الله سبحانه وتعالى وسلوكيات متخلفة تنم عن عدم الإدراك بالواقع الاقتصادي ومسؤوليتها تقع على عاتق الجميع: المرأة والرجل وجميع أفراد المجتمع، الذي استطاع في أمور كثيرة تغيير الواقع الخطأ إلى واقع أفضل منه. وهذا من الضروريات التي تحتاج إلى التغير.

قال الإمام علي : ”من كثر أكله قلت صحته، وثقلت على نفسه مؤونته“.

ما يهدر من الطعام لا يصدق أن الفاعل فيه هو من يتقرب لله تعالى في شهره. أطنان من الطعام تقدر بتريليونات الدولارات تذهب هباءً، مما يشكل المهدر على المستوى العالمي ثلث الأغذية التي تنتج. هذه السمة أصبحت من مسميات المسلم، حيث يُعتبر العالم الإسلامي أكثر الدول على المستوى العالمي هدرًا للغذاء، رغم الحالة الاقتصادية السيئة والوضع المعيشي المتدهور.

أمنيات تجاوز الوضع الكاذب والواقع المزيف، والإحساس بالمسؤولية، وتفعيل العقل وإظهار قليل من الوعي من خلال أخذ المبادرة على المستوى الشخصي بين أفراد الأسرة والمجتمع بالترشيد، ليواكب العمل قدسية هذا الشهر الفضيل، بدلًا من هدر مالي واستهلاكي يناقض قدسيته وعظمته.