آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 8:57 ص

جيل الطيبين وجيل أبطال الديجيتال

مصطفى صالح الزير

واقعًا الحديث يطول كثيرًا بخصوص هذا الموضوع، وباختصار شديد جداً، كل جيل من الأجيال له بيئته الخاصة فيه.

مثلاً، جيل الطيبين رحم الله الماضين، وحفظ الله الباقين منهم، ”وحفظكم جميعًا“. كانت البيئة التي تربوا عليها تهتم بعنصرين أساسيين ألا وهما: أولًا ”التلقين“: أي بمعنى التعليم. وثانيًا ”المنع“ لا تفعل لا تقول لا لا لا… وكان لها فوائد كثيرة جدًا في ذلك الزمان. أما سلبية العنف الأسري عند البعض، والجفاف العاطفي عند البعض الآخر، وسوء الأسلوب كانت لها مضار على بعض الأبناء في كلامهم وأفعالهم.

جيل الطيبين كان جيلاً مكافحًا وكريمًا وصبورًا بكل ما تعنيه كلمة صبر من معنى. الطفل أو الإبن أو البنت إذا رأوا صبر بابا وماما يزداد عمره ”بمعنى يتحمل أكثر“، لأن أبناءنا يتعلمون من خلال السلوك والبيئة المحيطة بهم بنسبة عالية جدًا. عندما يرى الأطفال صبر الأمهات والآباء في زحمة الظروف والمشاكل المادية والعائلية وكل طرف يتحمل الآخر، هنا تظهر عليهم علامات الرضا في سلوكياتهم من خلال غض الطرف والتحمل والصبر... وتبادل كلمات الحب فيما بينهم، نلاحظ في ذلك المنزل بأن عقليات الأبناء تكبر ويزداد صبرهم ويحسن قولهم وفعلهم ويكون سلوكهم راقيًا جدًا في كل الأحوال والظروف.

جيل الطيبين كانت قلوبهم بيضاء بمعنى قلوبهم على بعض، لذلك رب العالمين ساعدهم وبارك لهم في أنفسهم وأبنائهم وتربيتهم وفي مالهم وزادهم ودارهم إلى آخره. وجيل الطيبين كانت منازلهم صغيرة والكل يجتمع فيها وهو مبسوط، لأن قلوبهم كبيرة وتسع الجميع.

والآن في جيل التسعين والألفين، نلاحظ أن البيوت كبيرة ولكن القلوب ليست مجتمعة بسبب التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، نلاحظهم في بيت واحد بل في غرفة واحدة وكل فرد مشغول بجواله ومنعزلين تمامًا عن بعض وغارقين في العالم الافتراضي، يجب أن ينتبهوا لما يشاهدونه ويسمعوه من هذه المقاطع السريعة والقصيرة في حالات البرامج التي تسبب حالة من التشتت وعدم التركيز ونلاحظ هذا الأمر في جيل أبطال الديجيتال.

بسبب تضارب المعلومات وكثرة الفضول والتنقل في الحسابات وكثرة المتابعة غير المقننة، صار عندهم حالة من العصبية والحساسية العالية حتى لا يستطيع البعض منهم اتخاذ موقف سليم مع ظروف الحياة وابتلاءاتها.

هذه الأجيال القادمة تحتاج إلى مدارة عالية وتغيير في بعض الأساليب، لماذا؟! لأن التربية القديمة نتائجها تغيرت في زماننا هذا ولأن الدنيا تطورت والبيئة تغيرت أيضًا، والتكنولوجيا انتشرت، والألعاب الإلكترونية كثيرة جدًا، كل ذلك أحدث فجوة كبيرة بين جيل الطيبين وجيل أبطال الديجيتال. أصبحت الطريقة التقليدية ”التلقين والمنع“ غير مفيدة نسبيًا، لأن ”المنع والتلقين“ غير مفيدين نسبيًا. أصبح المجتمع يحتاج إلى عنصرين أهم: في هذا الزمان نحتاج إلى ”اليقين“ نجعل عند أبنائنا وبناتنا ”يقين“ و”مناعة“: كنا نقول في السابق ”تلقين ومنع“، الآن نحتاج إلى ”يقين ومناعة“ عندما يكون لديهم يقين ومناعة يصبح ذلك الطفل قويًا عقائديًا وعلميًا وفكريًا تجده لا يتأثر بشيء خصوصًا مع هذه التكنولوجيا ”جوالات ومسلسلات وأفلام وبرامج ودعايات وألعاب إلكترونية“، والتي جعلت من جيل أبطال الديجيتال قليلي التركيز في الدراسة وضعيفي التفكير وسريعي الغضب والعصبية. لماذا؟! بسبب التركيز العالي جدًا أثناء اللعب في البلايستيشن والاستخدام المفرط للأجهزة الذكية...

نحتاج بأن نكون أصدقاء لأبنائنا حتى نكسر كل الحواجز التي بيننا وبينهم ويعبروا لنا عما بداخلهم بكل أريحية ونستطيع توجيههم بأسلوب لطيف ليّن بعيدًا عن التعصب والشدة والتنمر والاستهزاء بهم أو بقدراتهم أو السخرية من شكلهم أو لباسهم وقصة شعرهم وكلامهم أو مقارنتهم بمن هو أفضل منهم.

في هذا الجيل المقارنة ممكن أن تسبب عداوة أو بغض أو حسد أو نقص داخل ابنك أو ابنتك بمن هو أفضل منه بنظرك أنت من حيث تشعر أو لا تشعر. المقارنة بحد ذاتها غير جيدة وغير عادلة وغير منصفة إطلاقًا، لأن الظروف ليست واحدة والعوائق مختلفة ونسبة التفكير متفاوتة والذكاء ثابت ولكنه يختلف من شخص إلى آخر من خلال الحفظ، تجد البعض يحفظ من مرة والبعض الآخر من مرتين، وشخص آخر يحفظ من ثلاث مرات حتى يستوعب ويفهم وهكذا مع التكرار يكون نسبة الذكاء متفاوتة.

أما تربية الطفل على الكذب شرعًا لا يجوز. أساسًا هذه المرحلة العمرية الصغيرة، من أهم المراحل في تكوين شخصية الطفل، أما تبرير الكذب في زيادة الخيال هذا الكلام غير صحيح. وسوف ينشأ لدينا طفل كاذب ويكبر على هذا الحال. يجب أن يتربى الطفل على مبدأ الصدق في كل الأحوال منذ نعومة أظفاره. لأن الكذب لا ينمي حالة الخيال عند الطفل.

في حال وجود خصام مع طفلك في فعله أو قوله، أبعد شخصيته عن الفعل والقول، كيف؟ أعزل الذات ”شخصه هو أو هي“ عن السلوك ”القول والفعل“ أعزل كل شيء عن شخصيته وساعده بأسلوب لين ولطيف. مثلاً قوله أنا أحبك لكن لا أحب هذا التصرف ”القول أو الفعل“ ونمي عنده حالة الخيال والتفكير بحيث تساعده في التفكير المنطقي حسب عقليته وسرعة استجابته لكلماتك وأفعالك، واستخدم هذه التكنولوجيا في التعليم من خلال ”الثقافة البصرية والسمعية“ حتى يكون مبدعًا إن شاء الله تعالى...