آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 10:56 ص

حرب داحس والغبراء

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

كتبت في مقالي السابق عن شهر رمضان المبارك وأهدافه الأساسية وفوائد الصيام فيه كونه فرصة تتكرر سنوياً لتنظيف وتطهير الجسد والروح. لم يكن مقالي مجرد موضوع إنشائي عن شهر رمضان المبارك، بل كان مقدمة لما أود فعلاً الحديث عنه. عند النظر للعادات والتصرفات التي يتبعها المسلمون في الوقت الحالي في شهر رمضان، يمكن ملاحظة الاختلاف الكبير بين الأهداف الأساسية للشهر الفضيل وما يمارسه المسلمون من تصرفات بعيدة كل البعد عن تلك الأهداف، من التصرفات الشائعة مثلاً طبول الحرب التي تقرع في مراكز التسوق الغذائية قبل الشهر الكريم بعدة أسابيع لشراء المواد الغذائية والمؤن لاستقباله بتجهيز كل ما لذ وطاب من مأكولات على الرغم من كونه شهراً وجب فيه الصيام وتقليل الطعام وعيش تجربة الجوع لنشعر بما يشعر به الفقراء والمحتاجون من جوع وحاجة للطعام.

من المفترض التقليل من الأكل فيه وزيادة التبرع للفقراء والمحتاجين والاقتصاد والتحكم في الرغبات الذي يحثنا عليه ديننا الحنيف في حياتنا عموماً وفي شهر رمضان خصوصاً، لكن ما يحدث هو الإسراف والتبذير في الأكل كماً ونوعاً لحد التخمة والمرض. من المهم أن نذكر حرب داحس والغبراء التي تشتعل في المولات لشراء أجمل وأغلى ماركات الملابس والأحذية والإكسسوارات لتلبية دعوات الإفطار والغبقات والسحور وليلة القرقيعان في الشهر الكريم ثم نختم ذلك بلبس عيد الفطر ونشر ذلك كله على حسابات التواصل الاجتماعية بلا مراعاة لمشاعر الفقراء والمحتاجين وكل ذلك ينافي تعاليم الإسلام التي حثت على الزهد والاقتصاد في المأكل والملبس.

من الأمور المؤلمة أيضاً استنفاد البعض لوقت شهر رمضان المبارك في الطبخ والنفخ، وما يتبعه من تنظيف المطبخ، والأواني والصحون، والبعض الآخر في السهر ليلاً لمشاهدة مسلسلات شهر رمضان التافهة والنوم نهاراً طول فترة الصيام، فلا هو شعر بالفقراء وتصدق لهم ولا هو نفع نفسه بصلاة أو عبادة تثقل ميزان حسناته في الآخرة. وبدل التسامح وسعة الصدر وحسن الخلق، أصبح للتوتر والعصبية والتلفظ بالعبارات الخادشة للحياء في رمضان نصيب الأسد والعذر هو أنهم صائمون، لم يدخن سيجارته، أو لم تشرب كوب قهوتها. للحديث عن البرامج والمسلسلات التلفزيونية المخصصة لشهر رمضان الكريم بالتحديد مواجع وشجون يشيب لها الرأس، فقد أصبحت البرامج والمسلسلات العربية مكرسة لتدني النفس بدلاً من سموها ولتدمير الفرد والعائلة أخلاقياً بدلاً من بنائها. لقد حولنا شهر رمضان من شهر الصوم، والعبادة، والزهد، والتصدق، والتسامح والتحكم في الشهوات، لشهر الإسراف، والأكل، والنوم، والترفيه وإشباع الرغبات النفسية والجسدية.

الحمد لله على نعمة الإسلام، ذلك الدين العظيم الذي فرض علينا واجبات لا تصب إلا في صالح الإنسان في دنياه، إضافة لرصيد الحسنات الذي بإمكانه أن يدخره لآخرته وأستغفر الله لي ولكم على ما نفعله الآن وما وصلنا إليه!