آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 7:41 م

الأسطورة

محمد العلي * صحيفة اليوم

دعنا من تعريف الباحث المتميز فراس السواح للأسطورة، ولنتصور أن الأساطير مختلفة الجذور والفضاءات، فهناك أساطير ذات مساحات مترامية الأبعاد، وأخرى صغيرة الظلال، تكمن في نفوس بعض الأفراد، وتكون باعثة على التوق الدائم والحنين إلى شيء ما، وهي لا تختلف كثيرا عن أحلام اليقظة.

الأسطورة الصغيرة فرار من قسوة الواقع، أو هي، من ناحية أخرى، إعلاء لظلال كثير من الأشياء، تتجاوز ظلها الواقعي، فالحب، وهو أسمى العلاقات البشرية، لابد أن تمازجه الأسطورة في معظم الأحيان ولنتذكر في ثقافتنا قصة قيس وليلى، فهي؛ حتى لو أزحنا عنها المبالغات، وما عراها من الشك، تبقى ذات دلالة. والتقدير الذي يصل إلى مرتبة التقديس ما هو إلا أسطورة تنشأ في داخل الفرد، حتى دون أن يشعر.

وأعتقد أن لكل شاعر أسطورة كامنة في وعيه ولا وعيه تنبثق منها تجربته، وتتحول بها اللغة إلى سحر، أو زناد يقدح شررا وتدخل لا وعي الشاعر في بناء القصيدة وهذا نفسه يشكل أسطورة؛ لأنه أشبه بالحلم لا مكان ولا زمان له، بل هو تهويم مفتوح بلا ضفاف.

ما أقصده بالأسطورة يختلف عن توظيف الأساطير الغربية الذي قام به بعض الشعراء المعاصرين، فذاك عمل اختلف فيه النقاد، فهناك من اعتبره عملا زائفا؛ لأنه وليد أوضاع ثقافية واجتماعية ونفسية لا مثيل لها في الواقع النفسي والتاريخي في ثقافتنا. وقد قام الأستاذ عز الدين هبيرة بذكر قصائد للسياب حشد فيها الأساطير حشدا، بعيدا عن الجمال الفني. وهناك الناقد عز الدين إسماعيل الذي اعتبر «أن أروع النماذج الشعرية من الشعر المعاصر تحققت بمدى الاقتراب بالمنهج الأسطوري والتحرك في إطاره»

رأيان متعارضان، الأرجح منهما هو القائل بأن استدعاء الأساطير عند شعرائنا مجرد إظهار لثقافة الشاعر؛ لأنها حال استدعائها لا تتحرر من دلالاتها الأصلية، وتمتزج بالقصيدة. ذلك ما نراه عند كل الشعراء الذين استدعوها، السياب ومحمود درويش وغيرهما «ماعدا أدونيس»

هل تغريك الأساطير، وتجعلك، بعد قراءتها، سابحا في فضاء من الأحلام؟ إن أساطير الانبعاث تزودك بالأمل مثل أسطورة تموز، ولو خياليا، لأن الخيال يحملك على جناحيه ويوصلك إلى حدائق الطفولة، حيث الدهشة التي لا يتمتع بها إلا الأطفال والفلاسفة، لك ذلك، ولكن الأهم أن تكون لك أسطورتك الذاتية إن أردت أن تكون في سرب المبدعين.

كاتب وأديب